عـدم التكافـؤ بـين الشـمال والـجنوب
مقدمة : تنقسم دول العالم إلى مجموعتين: دول غنية تضم 5/1 سكان العالم وتسمى بدول الشمال. ودول فقيرة تضم 5/4 من سكان العالم وتعرف بدول الجنوب. وتتميز العلاقة بين المجموعتين بهيمنة دول الشمال اقتصاديا وثقافيا على دول الجنوب.
تم تصنيف دول العالم إلى شمال وجنوب في إطار منظومة عالمية تتمحور حول قطب ثلاثي .
1 ): الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية لتصنيف دول العالم:
أ): بعد الحرب العالمية الثانية، صنفت دول العالم إلى دول اشتراكية ودول رأسمالية، انطلاقا من معيار سياسي. كما صنفت إلى دول قوية اقتصاديا ودول فقيرة اعتمادا على معيار اقتصادي. وأطلقت على الدول الفقيرة عدة أسماء كالدول المتخلفة ودول العالم الثالث و السائرة في طريق النمو أو النامية.
ب): أما التصنيف إلى شمال وجنوب، فليس بالمعنى الجغرافي ؛ حيث توجد دول فقيرة في شمال الكرة الأرضية ودول غنية في جنوبها، وإنما يعني عدم التكافؤ بين دول غنية تملك 5/4 من ثروات العالم وتتميز باستقرار عدد السكان وهي الشمال. ودول فقيرة تملك فقط 5/1 ثروات العالم وتتميز بارتفاع عدد السكان وهي دول الجنوب. ويفترض هذا التصنيف، في إطار المنظومة العالمية، أن دول الشمال هي { المركز }ودول الجنوب هي { المحيط}.
ج): ومن المؤشرات الإحصائية المعتمدة في تصنيف الدول: مؤشر الناتج الوطني الإجمالي للفرد. لكن هذا المؤشر، رغم أنه يبرز الهوة بين الشمال والجنوب، فإنه ليس معبرا دقيقا لأنه يحسب بالدولار أي بعملة غير مستقرة القيمة، ولها قيما شرائية تختلف باختلاف قيمة عملات الدول بالنسبة للدولار. كما أنه لا يعبر عن التفاوتات الاجتماعية داخل بلد معين، مما دفع الأمم المتحدة إلى تبني مؤشر التنمية البشرية (التعريف ص6)
وتبرز هذه المؤشرات عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب، كما تبرز عدم انسجام دول كل مجموعة؛ حيث نجد مثلا دولا أفريقية أكثر تخلفا ودول الخليج البترولية غنية ومتخلفة، وكلها دول تنتمي إلى الجنوب.
2 ): تتمحور منظومة العالم حول قطب ثلاثي:
يتمثل في الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة واليابان. وترتبط بالاتحاد الأوربي دول أوربا الشرقية وروسيا، وبالولايات المتحدة دول أخرى مثل كندا وأستراليا. أما اليابان فدوره الاقتصادي أهم من دوره السياسي على المستوى الدولي.
وتتموضع دول الجنوب في مواقع مختلفة حول كل قطب من الأقطاب الثلاثة، ومنها دول بدأت تتطور بشكل سريع مثل الصين وكوريا، ود و ل أخرى تحاول أن تتطور وأخرى تزداد تخلفا. وهذه المنظومة العالمية بدأ تشكلها منذ القرن 19 بفعل التوسع الاستعماري واستمرار العلاقات اللامتكافئة والهيمنة الاقتصادية والثقافية. وهذا ما يعتبره البعض كأسباب خارجية ساهمت في تخلف دول الجنوب، إضافة إلى عدم ملائمة الظروف الطبيعية للنشاط البشري والانفجار الديمغرافي والتفاوت الطبقي، التي يمكن اعتبارها أسبابا داخلية للتخلف
يبرز عدم التكافؤ بين الشمال والجنوب في المجالين السكاني والاقتصادي.
1 ): المظاهرالاجتماعية والديمغرافية :
تضم دول الشمال حوالي 20% منسكان العالم، في حين يضم الجنوب 80% مع اختلاف الكثافة السكانية حسب الدول والمناطق. ويعرف الشمال تزايدا سكانيا ضعيفا حيث تصل نسبة التكاثر الطبيعي ما بين 0 و0,7 %. وتصل نسبة الخصوبة ما بين 1,4 و 1,8 وهي نسبة تقل عن المعدل النظري لتجديد الأجيال (2,1 ). لذلك تعاني دول الشمال من شيخوخة سكانها وارتفاع تكاليف رعاية المسنين. أما دول الجنوب فتعرف انفجارا ديمغرافيا بسبب ارتفاع نسبة الولادات وقلة الوفيات، رغم تراجع نسبة الخصوبة إلى 3,5 . لكن أغلب الساكنة شابة (من 40 إلى 50% سنهم تقل عن 15 سنة ) مما ينذر باستمرار ارتفاع عدد السكان في الجنوب.
وعرفت دول الشمال ظاهرة التمدين منذ الثورة الصناعية، أما دول الجنوب فمنذ منتصف القرن 20 وأصبح العالم يعيش انفجارا حضاريا حيث أصبح الجنوب يضم سنة 1994 أكثر من 3/2 مدن العالم التي يفوق عدد سكانها 10 مليون نسمة، وذلك راجع إلى التكاثر الطبيعي المرتفع والهجرة القروية. وتعاني مدن الجنوب من تكدس السكان في المدن الكبرى مما يؤدي إلى عدة مشاكل كالبطالة والتلوث وانتشار مدن الصفيح وضعف المرافق الصحية والبنيات التحتية.
أما من حيث ظروف العيش ورغم الفوارق الطبقية في كل البلدان، نجد سكان الشمال يتمتعون بأمن غذائي وتغذية متوازنة وظروف صحية جيدة (320 نسمة لكل طبيب)، في حين أغلب سكان الجنوب يعانون من نقص في التغذية وسوء التغذية ومن المجاعات أحيانا، مع ضعف الإمكانات الصحية (35 ألف نسمة لكل طبيب). كما يعانون من الأمية ( 50% من الأطفال يلجون المدارس)، ومن الفوارق الطبقية.
2 ): المظاهر الاقتصادية:
تعرف اقتصاديات دول الشمال انسجاما بين القطاعات الاقتصادية، وفي الجنوب عدم التكامل والتنافر بين القطاعات. ويعاني اقتصاد الجنوب من الازدواجية: تقليدي وعصري.
أ ): الفلاحة:
تتميز في الشمال بتنوع الإنتاج وضخامته حيث تصدر 3/2 المواد الغذائية في العالم، وبذلك تهيمن على سوق المنتجات الفلاحية، مع العلم أن مساهمة الفلاحة في الناتج الوطني لدول الشمال لا تتجاوز 6% وتشغل أقل من 7% من اليد العاملة. أما في الجنوب فتشغل الفلاحة 50% من السكان النشيطين وتساهم بنسبة 30% في الناتج الوطني الإجمالي. وتعاني من استعمال أساليب ووسائل تقليدية مع وجود قطاع عصري محدود موجه للتصدير، مما يجعل الأمن الغذائي في الجنوب مرهونا بالاستيراد من الشمال، رغم حصول بعض الدول على الاكتفاء الذاتي مثل الهند والأرجنتين.
ب ): الصناعة:
تطورت الصناعة في دول الشمال منذ الثورة الصناعية. وأصبحت صناعة قوية ذات إنتاجية مرتفعة اعتمادا على التطور التكنولوجي. أما في الجنوب فقد ارتبط التصنيع بالعهد الاستعماري. وتركزت الصناعة قرب المناجم والمدن الكبرى وطرق المواصلات. وتعاني من الضعف التكنولوجي وسيطرة الرأسمال الأجنبي والقطاع العام، أو فئة محلية قليلة، بالإضافة إلى انتشار الصناعات الخفيفة. لكن بعض دول الجنوب استطاعت تطوير صناعتها مثل الصين وكوريا الجنوبية.
ج ): في الميدان التجاري:
تظهر العلاقة اللامتكافئة بين الشمال والجنوب نتيجة تحكم الشمال في الأسواق والأسعار؛ فأغلب دول الجنوب تصدر المواد الخام بثمن منخفض وتستورد المواد المصنعة بثمن مرتفع، مما يسبب عجز ميزانها التجاري، فنهجت سياسة القروض. وانطلاقا من السبعينات وبداية الثمانينات ظهرت أزمة المديونية حيث تراكمت الديون على الدول المتخلفة بسبب ارتفاع نسبة الفائدة وسعر الدولار وانخفاض أثمان المواد الأولية والبترول. وعجزت بعض الدول عن تسديد الفوائد والقروض. وتدخل {صندوق النقد الدولي} و {البنك الدولي} لاقتراح بعض الحلول منها ((برنامج التقويم الهيكلي)) دون مراعاة النتائج السلبية على الجانب الاجتماعي. وتتدخل دول الشمال في إطار هيمنتها على الجنوب بأسلوب تقديم المساعدات، الهدف منها استمرار التبعية للشمال وتجنب مشاكل الجنوب مثل الهجرة السرية وتهريب المخدرات. وتشكل تلك المساعدات أقل من 2/1 خدمة الدين الخارجي. وتنافس أحيانا الإنتاج المحلي خاصة الفلاحي( أي المساعدات الغذائية ).
خـاتــمة : تحاول دول الجنوب مواجهة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية بنهج سياسة تنموية تختلف من بلد لآخر. وبعضها يحاول العمل في إطار اتحادات أو تكثلات جهوية. لكن هيمنة الشمال وانعدام التعاون بين دول الجنوب، تحول دون تقليص الهوة بين الشمال والجنوب.